دور اللغة العربية في بناء الحضارة الإنسانية

دور اللغة العربية في بناء الحضارة الإنسانية

لقد وصلت إسبانيا الإسلامية إلى درجة عالية من التقدم العلمي والحضارة الإنسانية، حضارة إنسانية إعتمدت بالدرجة الأولى على اللغة العربية.
عندما نزل الوحي على النبي الأمي محمد بدأ بكلمة "إقرأ"، فمعجزة الدين الإسلامي اعتمدت على الإعجاز اللغوي، حيث ان هذا الظهور اللغوي يمثل الدور الذي أعطى الله فيه اللغة لآدم، وبواسطة
القران تحولت اللغة العربية من لغة قريشية محلية إلى لغة عربية راقية، وتطورت بواسطة الوحي من لغة محلية الى لغة تخاطب العالم أجمع. وقد وصفها الشاعر الإيطالي دانتي بهذا المعنى " لقد ارتقت هذه اللغة بفكرة الوحي من لغة محلية إلى لغة تخاطب الناس ، فالقران هو عمد لغوي فريد، وبرهان للتعبير عن لغة يعجز تقليدها او التشبيه بها، ودور هذه اللغة في الثقافة والأدب العربي مميز جدا...........
ومع انتشار الإسلام انتشر تعليم القران، ومن أجل الحفاظ على نقاوة اللغة القرانية كان لا بد من تثبيت كلام الله في مصاحف تمت كتابتها في عصر الخليفة عثمان، ويعتبر تعليم اللغة العربية قلب الدين النابض...........
هذا وقد لعبت الترجمة دورا كبيرا، ليس فقط في تطوير اللغة، بل في بناء حضارة علمية رائعة في كل من بغداد العباسية وقرطبة الأموية، حيث تم ترجمة العديد من لغات وحضارات الشعوب الهندية واليونانية حتى الصينية، وكان للمترجمين الدور الكبير في توسيع اللغة العربية وبناء الحضارة العربية الإسلامية على نطاق كبير، وخاصة في عصر العباسيين في بغداد، عصر الرشيد وابنه المأمون، وفي عصر الأمويين في الأندلس بين القرن 9 و 13م ، فقد تم ترجمة كتبا في الطب والفلسفة والأدب من لغات هندية ويونانية، مما ساعد في بناء حضارة اسلامية... وكان حنين بن اسحق من اكبر المترجمين في العصر العباسي، حيث كان يعمل لديه أكثر من 100 مترجم في دار الحكمة في بغداد، وكان يتقاضى ذهبا على وزن كل كتاب تتم ترجمته... فالمعرفة وانتشار المعرفة بواسطة التعليم هي الأعمدة التي يعتمد عليها محور الدين والعالم، واللغة هي التي تضع أسس المعرفة، وبالتالي التقدم وبناء الحضارة الإنسانية......
الشاعر والفيلسوف الأندلسي إبن حزم (المتوفي 1064 م) مدح دور العلم في تطور الفضيلة، وادان كل من يبخل بعلمه، وان أفضل وسيلة لإنتشار العلم هي الكتب. ففي القرن العاشر ميلادي كان امرا طبيعيا لطالب علم من سكان الأندلس او الدولة العباسية ان يذهب الطرق الطويلة والصعبة الى شمال افريقيا او الى مصر وبخارى وسمرقند من اجل سماع محاضرة عالم معروف، وقد كانت القوة الدافعة وراء كل ذلك في البحث عن المعرفة القران الكريم الذي حث المؤمنين لزيادة معرفتهم، فقد كان القران حجر الأساس في توسيع بناء ثقافة اللغة.

هذا وقد ساعدت اللغة العربية في ولادة النهضة الأوروبية، فانطلاقا من اللغة الأدبية العربية، الشعرية والنثرية عبر الأندلس، تطورت اللغات القومية في فرنسا واسبانيا وايطاليا والمانيا، فقد كتب المستشرق الألماني Johann Gottfried Herder عن الحياة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين في اسبانيا كما يلي: " إن أغلب الإسبان كانوا يعرفون اللغة العربية، وكان أمام كل واحد منهم العديد من الكتب والوسائط العربية ولم ينقص أي منهم أي شيء لكي يخطو خطوة صغيرة حتى يصل إلى الإتقان اللغوي‘ ودون أن يشعر كان يسبرعلى هذه الطريق، وعلى صورة الحياة العربية آنذاك" وأضاف Herder إن كثيرا من التأثير العربي عبر الأندلس اخترق أفكار ولغة الأوروبيين شعرا ونثرا وعلما، رغم معاداة ما يسمى أعداء النظرية العربية من أمثال Madam de Stael, Chateaubriands, A. W. Schlegel الذين رفضوا رفضا قاطعا أي تأثير للغة العربية وشعرها

على اِلأدب واللغات الأوربية، وقد تجاهلوا هؤلاء أو تناسوا أن مغني الغزل أل Troubadour على سبيل المثال تأتي من كلمة طرب العربية.....
وبعكس ذلك وجد علماء من أمثال Schack, Gustav Diercks, Samuel Singer في ابحاثهم
بأن كثيرا من أشعار الفرسان ومغني الغزل ودور الشاعر في البلاط الملكي تشبهوا بالشعر العربي، كما وجد المستشرق Julian Riberay Tarrago تأثير النثر العربي، وخاصة لأبن قزمان (1080 - 1160) على الأغاني والأشعار الأوربية، فقد وجد أن العرب الأندلسيين لم يؤثروا على الشكل الشعري فحسب، بل أيضا على المحتوى الفكري الأدبي واللغوي على حد سواء، وعلى ما ورث من ألحان موسيقية....... ويكفي اللغة العربية فخرا في بناء الحضارة الإنسانية أنها نقلت بواسطة الترجمة حضارات الشعوب الغابرة، وشبه كامل الحضارة الإغريقية من شعر وأدب وفلسفة وطب الى اللغات الأوروبية، وقامت بوضع حجر الأساس للنهضة الأوروبية الحديثة....

الموضوع منقول للامانة