لا أحد يعتقد أن الحرية هبة تقدم بواسطة الآخرين، أو منحة يفيض بها الأفراد من بني البشر على غيرهم، اذ أن الأصل في الحرية إنعتاق من العبودية في أعماق النفس-الا الله وحده-،وممارسة عملية تنطلق من (صقع)الذات، وليس قانون يعمم بواسطة سلطة مقتدرة!
والحرية أن تمارس إرداتك على أرضية المسوولية، وتسمح للآخرين أن يمارسوها كما تحب أنت أن تفعل..
أما الذين يقيدون إرادتهم بأكلال النفس، وأصر الواقع، وتأليه العادات خوفاً وخشةَ من ردود الأفعال المضادة المنطلقة من أرضية الجهل، أولئك يسلبون الحرية من أنفسهم بواسطة ذواتهم، وليس غيرهم، حيث هم يصنعون الرقابة الذاتية على أنسفهم فلا يكتشفون لذة صراحة الحق في مقابل تبجح الياطل، وهم الذنن يمارسون العبود ية،بأنفسهم ويطبون الحرية من غيرهم، فلا يتذوقون عذوبة الحرية.
فالأفراد الذين يخضعون-مثلاً-لمعادلات اجتماعبة من شأنها أن تحد من تطلعاتهم، وتقزم من طموحاتهم يسلبون الحرية من أنفسهم ويقللون من فرص نمو روح الحرية في مجتمعاتهم.
والأباء الذين -يمارسون القهر والغضب والقوة مع أبنائهم في عصر العلم والمعرفة والتطلع، ويشهرون سيف الارهاب والقمع، ويحتجزون العقل، والمنطق واللباقة من الإنطلاق للتغلب على تمرد أبنائهم،-أولئك-يقمعون الحرية في ذواتهم،ويطاردونها في أعماق نفوس أبنائهم،إنهم يزحفون بأروع ما يمتلكون من أدوات التسلط الحمقاء نحو حرة ناشئة مضطهدة في قلوب اليافعين ليذبحوها..
وإذا كانت الأخلاقيات والمسلكيات المجتمعية، تتشكل بهذه الصورة التي تسلب الحرية من الذات الفردية، والاجتماعية،فكيف لقيم الحرية أن تنعكس ايجابياً على مسلكيات المجتمع، وأنى لمثل الحرية أن تلون العقول والنفوس..
إن حرية لاتنتج نفوساً حرة,متحررة من أغلال الواقع، ولاتطلق مارد الإرادة لهي عبودية للذات على الذات..
وإن حرية لا تنقل الانسان من واقع بائس الى رحاب عالم راشد، لهي اطار لمضمون مفرغ من قيمه الصالحة..وإن حرية في الذات لا تعكسها التصرفات والمسلكيات،وتنقلها من واقع الذات الى عالم الخارج،والى رحاب المعاملة، والى فضاء التربية، لهي حرية منفية في وجودها، وبمثابة إدعاء عبد ظن بأنه سيد حر!
إن مجتمعاً لا يتذوق أفراده طعم الحرية في أعماق نفوسهم، ولا يشعرون بمكنوناتها، ولا يمارسونها مع ذواتهم، ولا مع أسرهم، ولا مع أصدقائهم ولا.. ولا.. ان مجمتعاً كهذا-لايغير ما بذاته-لن يتمكن من بناء كياْنه بصورة سليمة، ولن يتمكن من اعادة صياغة بنيته الإجتماعية.لأنه لا يفقد أبسط مقومات النهوض فقط,بل انه يعيش العبودية للواقع، ولأغلال النفس،وإصر التقاليد،ويصادر الحرية من ذاته، ويقمعها في أعماق نفسه،وهل يعرف العبيد طعم الحرية!
وهل كانت دعوة الرسول الأعظم محمد(ص)إلا تخليص الناس من العبودية..عبودية الذات والعادات الجاهلية..أليس القرآن الكريم وصف دعوته (ص)بقوله
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم..)(الأعراف/157).
فأي تجدد اجتماعي يمكن أن يحدث بفقدان حرية الذات أمام الآخرين، وكأننا نعيش بذوات الآخرين،نستعير مسلكياتهم عندما نشعر برقابهم المتلصصة، فنجمد عن ممارسة قناعاتنا المشروعة، فنفقد ذواتنا، بدل أن نتلمس حريتنا ونركزها في أصقاع الذات ومكنونات النفس، وعندما نفقد ذواتنا نصبح أجساداً فارغة بلا مضمون، بلا فعل.. أليس أن شرط الوجود-وجود الذات حقيقة-وشعورها بأنها خلقت والحرية توأماً,أوليس وهج الحرية الذاتية يطلق مارد الإرادة والابداع وبدون ذلك تتجمد الحياة قاطبة!.