الأمـل طريق العاقل الحكيم، واليأس طريق الفاشل المتردد

الأمـــل

الأمـل كلمة تداولت الألسن نقلها، وتهافت الإنسان على التحلي بها، واقبل البشر منذ الأزل على ارتداءها.
منذ الماضي البعيد ولفظة الأمـل تشد بني البشر، ومنذ أن وُلد الإنسان وُلد معه الأمـل، امتدت جذور الأمل بعد أن وضع آدم أقدامه على الأرض، كانت أولى قطرات نهر الأمـل تتشكل يوم أخطأ آدم، فلم يقطع أمله بالله، ووضع رجاءه به، وبالفعل رضي الله عنه، وغفر خطئه، حتى وإن أنزله الأرض وأبعده عن الجنة، ولكنه لم يقطع حبل الأمل فجزاه الله أن غفر له زلته.. ووعده بمغفرة لأبنائه إن هم ساروا على الطريق الذي أمرهم به.. ومنذ ذاك الحين والأمل سائر كسريان المياه وسط الحقول والبساتين..
كان الأمل وظل وسيظل قشة يتمسك بها كل غريق.. ويحلم بها كل حالم.. ويسعى إليها كل متفاءل.. لا فرق أبدا بين آمال طفل صغير، أو شيخ كبير، بين أمـل فتاة شابة، أو فتى شاب، بين أمـل أم حنون أو أب صامد، بين أمـل شخص سليم، أو شخص سقيم.
ليس الأمل حكرا على فئة دون أخرى.. بل هو كالهواء الذي يتنفسه الجميع.. جميع مخلوقات الله دون استثناء..

والأمـلُ جمعه آمال، والأمـل في اللغة العربية يعني الرجاء، يُقال: أملي في الله كبير، أي رجائي به كبير، وهو يعني في اللغة تمسك الفرد بالرجاء قصد تحقيق أمانيه والوصول إلى أهدافه.
وقد استعمل العرب كلمة الأمـل في الكثير من المقامات، وقد كانت أكثرها استعمالاً في القصائد الشعرية، حيث نظم الشعراء القصائد وقد أتت بعضها ترجو الإله، أو تأمل في لقيا البعيد، أو ترجو رحمة في موقف ما. وهنالك بعض الكتب المدونة لأدباء عديدين تطرقوا إلى هذا المعنى قصد إيصاله لذهن القارئ، والانتفاع من نتائج محاصيله الكثيرة.

كما سبق القول فالأمل ليس حكرا على فئة دون أخرى، وعلى بشر دون آخرين، بل هو ملك للجميع، يتطلع إليه الجميع.
ولكننا بهذا القول لا يمكن أن نـُقرّ أن جميع البشر حصلوا عليه، وتمكنوا من بلوغه يوم احتاجوا إليه، فهناك أشخاص لم يقربوه يوما، ولم يحسوا بطعم حلاوته، ولم يتطلعوا إليه مطلقا، والسبب هو أنهم قاصروا النظر، وفاقدوا الأمـل، وبصفة دقيقة هم أناس عاجزون.. لذلك فالعجز ليس عجزا ماديا وجسديا فحسب، ليس عجزا عن النطق أو المشي أو النظر، بقدر ما هو عجز عن الوصول للمراد.. عجز عن التقدم للأمام.. وعجز عن بلوغ ثمار النجاح..
ونستطيع أن نطلق لفظة عجز حتى على الأشخاص الأسوياء الذين ينعمون بالصحة الجيدة، فالعجز يتعدى الصحة السليمة والجسم السليم، إلى النفسية السليمة والتفكير السليم، لذلك فقد نجد أشخاصا في قمة الصحة والقوة، ولكنهم عاجزون عن التقدم للأمام، وتحقيق آمالهم وأمانيهم في الحياة..
وبالمقابل نجد أشخاص منحتهم الحياة العقل والفكر والمنطق والحكمة، وحرمتهم الصحة السليمة والقوة البدنية.. إنهم ذووا الاحتياجات الخاصة.. ومع ذلك فهم أقدرُ على رسم طريق الحياة، وأعرَفُ من غيرهم بطُرق وسُبل تسييرها، وإن واجهتهم عثرة ما من عثرات الزمان استطاعوا تجاوزها وتعدّيها والخروج من دائرة الضعف محققين نصرًا يرفعُ من معنوياتهم، ويدفعهم للأمام دفعًا ويُحقق لهم أمانيهم قدُمًا..
وللأمل آثار جدُ إيجابية على حياة البشر فهو يُمدهم بالشجاعة المفقودة، ويغبطهم بالرغبة المكبوتة، ويجعلهم يُحققون انتصارهم على ثغرات الحياة، ونائبات الزمان، وأحداثه وصراعاته المريرة.. ويكادُ يكون أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة أكبر الحائزين على نتائج الأمل الكبيرة، فتحديهم للإعاقة، رغم مصاعبها، وإصرارهم على بلوغ أهدافهم رغم صعوبتها، يجعل الحياة سهلة المنال، ويسيرة في الاستمرار، فيُودعون التقهقر والضعف شيئا فشيئا..

تحضُرني قصة الأديب المصري الكبير "طه حسين" ذاك الذي وُلد ضريرًا في بيت فقير يفتقر لأدنى ضروريات الحياة، ولكنه وُلد بقلب صامد، وبشخصية قوية، وبهمة عالية. لم يمنعه عجزه عن الدراسة فانتقل إلى كُبريات الجامعات تعدت الأزهر والسربون.. فنال الشهادات القديرة، رغم صعوبة الحياة.
إن الشخص القوي الجسد والسليم الصحة سيُعاني من رحيله من قرية صغيرة من قرى مصر ليرتحل إلى جامع الأزهر حيث المدرسون المتشددون المعروف عنهم الحزم والعزم والجدية والصرامة، فكيف بشخص (أعمى) يحتاج من يقوده، ومن ينقـُل عنه دروسه ومن يُرشده إلى طريقه.. ولكنه اعتمد على بصيرته دون بصره وعلى حزمه وإصراره، فنال مُراده، وبلغ ما لم يبلغه أقرانه من أبناء جيله، فذاع صيته وعرفه العرب جميعا، وتداولت كُتبه بين رفوف أبناء العروبة وغيرهم من بني الأصفر بترجمتها إلى عدة لغات، فصار مثلا يُحتدى به من الأمثلة التي تمسكت بالأمل وجعلت النجاح طريقا لا ترضى غيره ولا بديله..
هنالك أيضا قصة الموسيقار الكبير "موزارت" الذي ألف أشهر وأروع وأرقى السيمفونيات بالعالم، وهو طفل أبكم، وفي سن صغيرة استطاع تأليف أصعب السيمفونيات، واندهش العالم من موهبة هذا العبقري الصغير، الذي استطاع التمسك بحبال الأمل مهملا عجزه، ومتحققا من إثبات ذاته وتحقيقها حتى في أصعب المجالات، ولو أمام ألوف الجماهير..
هذا هو الأمـل ينبع بريقه بين قلوب الأقوياء، المتفائلين، الذين يسعون إليه سعيًا، حتى ولو قابلتهم آلاف الثغرات، وحتى لو كانت هذه الثغرات هي إعاقة في سمع أو بصر، أو مشي أو غيرها..

للأمـل آثارٌ كبيرة وطويلة يمتد طولها إلى أغوار النفس البشرية، فهو ذرة من إحدى رذاذ المطر الذي يسقي الأرض العطشى، فالنفسُ اليائسة كالأرض العطشى تحتاجُ إلى بعض من رذاذ المطر كي تحيى من جيد وتعود إلى طبيعتها الحية من جديد.
إن الفرد المتمسك بالأمل تتشكل داخلهُ قوة تنغرسُ بين ضلوعه، فتمُدُه بالقوة للوصول إلى ما يُريد، وتزيده ثقة بنفسه. والشخص الواثق من نفسه دومًا يصل إلى ما يُريد ولا يقف في وجه تحقيق لرغباته أي حائل مهما كان، أما وإن سقط مرة، فهو سيُحاول الوقوف من جديد للوصول إلى ما يُريد. فهو بتعوده على الوقوف في وجه المصاعب تتكون لديه آلية دفاع في نفسيته، تزيده حكمة وأنة في التغلب عليها إن قابلته من جديد، وواجهته بأسوار فشلها من جديد.

تعتبر فلسفة الأمـل من الفلسفات التي لا يطالها إلا حكيم ورزين، لذلك فالأشخاص القلقون، المتوترون لا يحصدون نتائج الأمـل إلا بعد معارك مريرة، أما الأشخاص ذوي القلوب القوية، والشخصيات الثابتة فهم يحسنون تسيير هذه الفلسفة وفق مشوار حياتهم مهما طال، ومهما صعب..
ويُمكننا القول أن من يُحسنون صياغة فلسفة الأمـل في الحياة هم أشخاص عاقلون، فالعقول الواعية الناضجة تعرف كيف تساير جل فلسفات الحياة، وتعرف طريقة التعامل معها والسبيل الجيد للوقوف على حيثياتها.
والشخصية التي تتعودُ على غرس الأمـل في جنبات النفس تكون أقدرُ من غيرها على التغلب على الصعاب، وعلى الوقوف في وجه المطبات، ويتشكل لديها حاجز نفسي متين مضاد للصدمات، يُقوي النفس ويُعيدها متى اهتزت وقاربت على السقوط، فيُقومها من جديد ويُعيد إليها التوازن من جديد، فتتغلب على الصعوبات وتضحى شخصية قوية ثابتة لا تتزعزع.
فإن سقط الشخص يوما في حفرة من حُفر الفشل في الحياة، سيتعلم كيف يخرج منها بقوة وثبات، وهذا التعلم سينزرع في نفسه ولا يغيب أبدا، حتى إذا قابلته حفرٌ أخرى، ومطباتٌ أخرى وجد الطريقة المثلى للخروج منها، حتى ولو كانت صعبة في بادئ الأمر، ولكنها تشكلت داخله آلية دفاع تعيد تقويم الأمور من جديد، لأنه استفاد منها حق الاستفادة في أول الأمر.

بعد كل ما قيل نستنتج شيئا واحدا وأمرا مهما جدا وهو أنه على الإنسان أن يتخلى بعض الشيء عن العاطفة التي تأخذه إلى الوراء، فقد لاحظنا أن الشخص العاقل هو من يستطيع الخروج من أزماته بانتصار، والشخص الحكيم الرزين هو من يستطيع التفكير برفق في أزماته، فيستخرج الطريقة والحل الأمثل للخروج مما هو فيه، ولنا في قصص رسول الله الأسوة والعبر الحسنة، ففي إحدى أيام زمانه صلى الله عليه وسلم، والناسُ تبايعه أتى قومٌ من بعيد ولدى وصولهم لمكة دخلوا مرة واحدة بغبارهم وشعثهم يبايعون رسول الله إلا واحدا فيهم، فإنه اختلى بنفسه قرب وادٍ قريب، فغير ملابسه وحسّن من مظهره، ووضع عطرا على جسده، ثم دخل على النبي الذي أثنى عليه قائلا: إن فيك صفتان يحبهم الله: الحكمة والأنة.
وحسب رأيي الشخصي المتواضع فإن الشخص الحكيم الذي يعرف معنى الأنة ويستعقل في حياته وطريقة تسييرها هو الأقدر من غيره على بلوغ ثمار الأمل، وارتشاف لذتها، بل وحتى الإبحار في عمقها وبلوغ كنوزها التي لا يطالها عاجزا أومتسرع أو قلق.
فلنحاول السعي لأن نجعل العقل رداءً لنا في كل فصول الحياة، وأن نجعل الأمل هدفا لا بديل عنه، وسبيلا لا مفر منه، فنحصد ثمار صبرنا وصمودنا واعتمادنا على أنفسنا واستفادتنا من مصاعب الحياة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أختكم منى

بارك الله فيكي اختي العزيزة منى

شكرا على المرور

الف شكر لكي علي الموضوع

بارك الله فيك على الموضوع

شكرا لكم على المرور

شكرا لكي علي الموضوع

» عطر المكان عن طريق ال USB
» تعرف على شخصية من امامك عن طريق شكل العيون
» ~~هل تكون بطولتنا في طريق الاحتراف هذا الموسم~~
» يقولون: الدخول إلى قلب الرجل يكون عن طريق الطعام! ادخ.....
» مهم للجميع انظر كيف يتم اختراق جهازك عن طريق الماسنجر