القصة الكاملة لوفاة بومدين (الحلقة الثالث) تــــــــــــــــــــــــــا بـــــــع
يوم أن كان بوتفليقة وزيراً و«ديستان» رئيساً و«الحسن الثاني» ملكاً
2008.07.23
خالد عمر بن ققه
انتهينا في الحلقة السابقة إلى التساؤل حول التفسير الذي قدمه الطبيب السويدي و«الدنستروم» بناءً على تشخيصه الذي جاء بعد ساعاتٍ قليلة من قراءته حصيلة التقارير ومشاهدة الصور وفحص المريض بيديه، وبناءً عليه تقرر تقليص ساعات غسل الكلى يومياً لبضع ساعات فقط، وظهر كأن أيام العلاج في موسكو لم تنفع الرئيس بومدين في شيء.
* تصريحات بوتفليقة في زمن المرض.
* بومدين وديستان: الرسالة واللغز.
* رسالة بومدين الأخيرة للحسن الثاني.
في 23 نوفمبر1978 بدا أن بومدين خرج من حالة الغيبوبة، لكنه بعد خمسة أيام غاب عن الوعي ثانية، فقرر البروفيسور السويدي أن بومدين قد دخل المرحلة الأخيرة من مرض »والدنستروم« الذي كان يحمل اسمه، وأن الموت قادم لا محالة رغم أن المريض يمكنه أن يعيش بعض الوقت إذا نجح في تجاوز الأزمة الجديدة، وأنه لا جدوى من إجراء عملية جراحية لتفتيت الانسداد الذي ضرب أحد أوردة الدماغ لأن هذه العملية ستؤدي للوفاة.
... على طريق «فرانكو» و«تيتو»
وفي أول ديسمبر 1978 أظهر الفحص بجهاز السكانر وجود حالة تخثرٍ ثانية في دم المخ، ودخل بومدين في حالة غيبوبةٍ عميقة بينما كان 62 اختصاصياً من أنحاء العالم يراقبون جسمه المرتخي، وقلبه الذي كان مايزال يعمل، بينما لم تكن الأعضاء تعمل إلا بواسطة الأجهزة الحديثة المستخدمة، وبدأت كهرباء المخ تضعف، وواصل الأطباء عملهم رغم قناعتهم بعدم جدوى ما يفعلون.
وفي 18 ديسمبر 1978 تفاقمت حالة بومدين على إثر نزيفٍ داخليّ مفاجيء، وبعد ستة أيام اختفت كل مظاهر الحياة عن الرئيس بومدين، بما في ذلك كهرباء المخ التي أخذت شكل خط مستقيم متواصل في الرسم البياني للجهاز الذي يقيس تلك الحركة.
وحسب المصادر الطبية ـ الغربية على وجه الخصوص ـ أن بومدين لم يستعد وعيه منذ أول ديسمبر وبقي على تلك الحالة 27 يوماً، ولم يكن جسمه يعمل فيها إلا بفضل الأجهزة المتطورة، فيما كانت البيانات الصادرة عن السلطات الرسمية تقول إن حالة الرئيس »مستقرة«.
ويرى الكتاب الغربيون أن الجزائر لم تأتِ بسابقةٍ على صعيد إطالة فترة حياة الرئيس بومدين، فإسبانيا فعلت نفس الشيء مع الجنرال »فرانكو« واحتضاره الطويل سنة 1975 ويوغسلافيا أبقت الماريشال »تيتو« في حالة الإنعاش لأسابيع عديدة، واستخدم السوفيات نفس الأسلوب مع »أندريوف« و»شيونينكو«، كما جاء في كتاب »هؤلاء المرضى الذين يحكموننا«.
ومؤامرة »ملاّح«
نتوقف هنا لنبحث الشق السياسي والعلاقات الدولية أثناء مرض بومدين، ثم نعود في الحلقة الأخيرة إلى كيفية تعرضه للسم والأطراف المستفيدة من ذلك،
أول ما يصادفنا الحديث عن عبد العزيز بوتفليقة ـ وزير الخارجية في ذلك العهد ـ في مجلة »روز اليوسف« المصرية العدد 3329 ، وذلك حين قرر الوفد الجزائري تخفيض مدة زيارته إلى سوريا بعد أن اشتد الألم على الرئيس بومدين في دمشق، فقد استدعى بوتفليقة فجأة وقال له:« لنعد الليلة إلى الجزائر... أريد أن أموت في فراشي».
وتذكر المصادر أن بومدين جلس في الطائرة أثناء رحلة العودة، وقد بدا عليه الإجهاد، وغارت عيناه، وعلت مسحة من الانقباض على وجهه، وضاعت منه ملامح الشباب، ولم تنفع المحاولات المستمرة التي بذلها فريق الوفد خصوصاً عبد العزيز بوتفليقة أثناء الرحلة من سوريا إلى الجزائر، وفي نهايتها أشار الرئيس إلى مساعده فأسرع إليه بوتفليقة قائلاً: إن شاء الله لا بأس يا سي بومدين.:
ذلك هو الوصف الأول الذي بدت فيه مشاركة الوزير بوتفليقة رئيسه المريض، أتبعت بأخرى جاءت في نوفمبر 1978 ، كشف فيها الوزير بوتفليقة عن الوضع السياسي من الداخل، حيث صرح لصحيفة »الرأي العام« الكويتية أنه تم إلقاء القبض على الرائد »عمار بن ملاح« الذي دبّر محاولة اغتيال الرئيس هواري بومدين، وعن ذلك التصريح نقلت مختلف وكالات الأنباء والصحف ومنها الصحف المصرية التي نقلنا عنها الخبر السابق، نتيجة لذلك يمكن لنا طرح عدة استفهامات أهمها: ما الرسالة التي تقصد السلطات الجزائرية تمريرها للرأي العام الوطني والعالمي، وهل لمحاولة الاغتيال تلك علاقة بما أوردته الوكالات في بداية مرض بومدين؟ ولماذا تم إخفاء المرض لمدة تجاوزت الأربعين يوماً؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي نجبر على العودة إليها كلما تأملنا مأساة بومدين في أيام مرضه وتحطيم إنجازاته بعدها.
إن عدم وجود تفصيلات بخصوص نشاط القيادات الجزائرية في ذلك الوقت وخصوصاً وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة باعتباره من المقربين للرئيس بومدين، يدفعنا اليوم إلى المطالبة بإجاباتٍ مقنعة عن الأسئلة السابقة، والحسم بشكلٍ نهائي في قضية لغز وفاة الرئيس إذ لا يعقل أن تظل شهادات البعيدين عن صناعة القرار في الجزائر محركة للأفعال وردودها على الساحة الوطنية.
الرسالة اللغز
من ناحيةٍ أخرى علينا العودة إلى ما جاء في وكالات الأنباء من حديثٍ عن رسالة بعث بها الرئيس بومدين إلى الرئيس الفرنسي »فاليري جيسكار دستان« وهو يعبر الأجواء الفرنسية، وقد أثارت الرسالة وقتها استغراباً ودهشةً لدى المراقبين، ويعود ذلك لكون فرنسا تتابع بحذرٍ تنامي دور الجزائر، حيث كان الرئيس الفرنسي ديستان يرى أمامه مستعمرة الأمس قد أصبحت دولةً مهابة الجانب، وفي ذلك الوقت كان البترول هو أقوى ورقة في يد العرب، لذلك دعا ديستان إلى عقد مؤتمر دولي للطاقة، لكن جزائر بومدين عارضت الفكرة واقترحت أن يكون الموضوع بنداً في مناقشات ندوة تعقدها الأمم المتحدة وتشمل النظام الاقتصادي العالمي.
وحسب الصحفية المصرية »فايزة سعد«، فإن الجزائر كانت في ذلك الوقت ترفع درجة التحدي إلى أعلى مستوى، إذ لم تكن كلمة الاقتصاد العالمي التي طرحتها قد طُرِحَت من قبل، وكان معنى الكلمة بوضوح أنها تتمرد على الكبار، وفعلاً أصيب ديستان بخيبة أمل من موقف الجزائر.
إذاً كيف لبومدين أن يبعث برسالة إلى ديستان وهو مريض، علماً بأنه لم يفعل ذلك من قبل منذ مجيئه للسلطة ولو بالإشارة، هنا تُطرح أسئلة من مثل: من بعث بها؟ ومن صاحب الفكرة أساساً؟ وما أهدافها في زمانها وفي المستقبل آنذاك، الذي أصبح ماضياً الآن؟
للعلم، لم أتمكن من الاطلاع على نص الرسالة لأسباب كثيرة، ليس هنا مجال ذكرها، ولكن الذي أعرفه من قراءاتي أن الأوساط الفرنسية المسؤولة آنذاك لم تدلِ بأي تعليق على تلك الرسالة المشبوهة، غير أن المراقبين السياسيين أبدوا عدة ملاحظات حول الرسالة آنذاك، أهمها:
- تشكل الرسالة لفتة دبلوماسية من جانب الرئيس بومدين بعد احتجابٍ دام عدة أسابيع في الاتحاد السوفياتي، ويمكن أن تفسر على أن الزعيم الجزائري انتهز الفرصة غير العادية للطيران فوق الأراضي الفرنسية للإعراب عن رغبته في التقرب لفرنسا.
- وصفت لهجة البرقية بأنها حارة، خاصةً عندما أكد استعداد الجزائر الكامل لتنقية أجواء العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية، ورغبة مسؤوليها في إجراء حوار معها، وبدء صفحة جديدة من التاريخ مثل ماضي زعماء حوض غربي بحر المتوسط.
- أحدثت الفقرة الخاصة بقضية الصحراء الغربية عدة تساؤلات لدى المراقبين.
- من جهتها، علقت الصحف الفرنسية على تلك الرسالة المزعومة بقولها: أنها تتسم، ولأول مرةٍ، بلهجةٍ معتدلة وتدعو لصفحةٍ جديدة من التعاون مع فرنسا.
- وبخصوص الرسالة دائماً فقد قالت صحيفة »لوماتان« الفرنسية إن الخبراء الفرنسيين عاكفون على دراسة نص هذه الرسالة التي صيغت بأسلوبٍ جديد لم يسبق للجزائر أن استخدمته في الدعوة لتجديد التعاون مع فرنسا.
- وأضافت لو ماتان: أن الخبراء يدرسون كل كلمة في الرسالة »الوثيقة« التي يتفق الجميع على أن كاتبها ليس هواري بومدين بناءً على ذلك يتساءل البعض، كما تقول الصحيفة، عما إذا كان ذلك دليلاً على أن هواري بومدين الذي ألمّ به المرض لم يعد ممسكاً بزمام المبادرة السياسية، كما جاء في جريدة الأهرام المصرية عدد 16 نوفمبر 1978.
رسالة الزعيم للملك
بالمقابل، فإن هناك رسالة بعثها بومدين قبل وفاته إلى الملك الحسن الثاني وهي آخر رسالة بعث بها رداً على رسالة الملك، ننقلها بنصها الحرفي كما وردت في مجلة »الصياد« اللبنانية التي نشرتها بتاريخ 15/12/1978 ، علماً بأنها أرسلت ـ حسب المجلة السابقة ـ بتاريخ 21 أكتوبر 1978، وهي رسالة مثيرة للدهشة لجهة ما جاء فيها، ومع أنها طويلة وسبق أن نشرتها ضمن فصلٍ في كتابي »اغتيال بومدين: الوهم والحقيقة«، إلا أنني أعيد نشرها هنا لتعميم الفائدة، وللتذكير بعلاقاتنا مع المغرب في عهد الزعيمين: الرئيس بومدين والملك الحسن الثاني، ونصها كما يلي:
»... صاحب الجلالة:
تسمحون لي يقيناً بأن أرثي هنا للدبوماسية العلنية التي تبدو وكأنها اليوم قد طغت على الدبلوماسية التقليدية، وها أنا ذا أجد نفسي مضطراً للجوء إليها بدوري، ولقد كنت أود كذلك تماماً كما تمنيتموه أن أستأنف الاتصال بكم، وما من شكّ في أن الحوار المباشر كان من الممكن أن يكون أفضل، ولكن هل يمكن تصور مثل هذا الحوار بعد المواقف التي اتخذها كل منّا مؤخراً بشأن القضية الفلسطينية وامتداداتها على الشرق الأوسط والأمة العربية؟
ومع ذلك فباستطاعتي أن أؤكد لكم منذ الآن أن الجزائر لن تتأخر أمام أي مجهود لتقديم مساهمتها المتواضعة في البحث عن سلام عادل بين المتحاربين في النزاع الدائر حاليا بالصحراء الغربية.
معاهدة »إيفران«
ومرةً أخرى ألاحظ، للأسف، من خلال رسالتكم أن التأكيدات تتسم بالقطيعة وأن الاتهامات الموجهة للجزائر أخطر منها، وكنت أشعر بوقع المفاجأة لولا أثر التعود ولولا الحصانة التي يوفرها هذا التعود، على أني أود أن لا أسمح لنفسي بالاعتقاد في كون الانتهاكات المتكررة المزعومة للحدود المغربية من قبل الجيش الوطني الشعبي ليس لها من غاية سوى تبرير عدوان مبيّت على بلدي.
ومهما يكن فإن مسعىً كهذا لن يكون صادراً إلا عن تصميمٍ واضحٍ على تضليل الرأي العام المغربي والأفريقي والدولي عن طبيعة الصراع الذي يحزن منطقتنا، ومع ذلك فقد استطاعت جلالتكم وأنا بالذات أن نرتفع بسياسة بلدينا طيلة سنوات عشر إلى مستوى التطلعات الطبيعية لشعبينا، اللذين تربطهما ـ كما تعلمون ـ روابط أقوى من التطلبات الحتمية التي يقتضيها مجرى الحوار وفي تلك الفترة عرفت منطقتنا عهدا من الازدهار، كما استطعنا رغم المحن والشدائد المحلية والعربية أن نعمل معاً يداً في يد وأن نسهم مساهمة حقيقة في تحرير شعوب قارتنا والعالم العربي وفي ترقية العالم الثالث على المسرح الدولي.
ولقد كانت مثل هذه السياسة تستمد إلهامها الأول من متطلبات الأخوة وحسن الجوار والتعاون التي تكرسها معاهدة »إيفران«، تلك المعاهدة التي نود أن نؤكد هنا تمسكنا بها، وهذه المتطلبات الثلاثة تركز أساساً على السلام، الذي ما من شك أنه يشكل في نظر جلالتكم ونظرنا جزءاً لا يتجزأ من عدالة الشعوب وحريتها.
كبوات الطريق وعثرات التاريخ
ثم جاءت اتفاقية 1972 التي أشهدت أفريقيا والعالم على التوقيع عليها لتساعدنا بالذات على التسامي بصورة نهائية على ما تواضعنا باتفاق مشترك على تسميته حيناً »بكبوات الطريق« وأحياناً أخرى بـ»عثرات التاريخ«، وحتى نؤكد إيماننا نحن بالتصديق على اتفاقات الرباط بشقيها المتمثلين في ترسيم التعاون ورسم الحدود بين الجزائر والمغرب.
ولا نزاع في أن صفحة من هذا التاريخ قد كتبت بهذا الاتفاق، مكرسين بذلك حرمة الحدود الموروثة لدى استرجاع استقلالنا، ومجنّبين شعبينا سواء لهذا الجيل أو ما يعقبه من أجيال شر ما يمكن أن يحدث من حالات سوء التفاهم أو التوترات، بل والمآسي الممكن حدوثها على الدوام والتي لا يمكن أن نقدر عواقبها الوخيمة، فمن وراء المودة الصادقة التي صنعتها رفقة في الكفاح وأخوة في السلاح كانت العلاقات القائمة بين شعبينا والروابط الشخصية مع جلالتكم، تزيدها قوة ومتانة تلك الثقة المتبادلة كذلك، والصدق الذي لا تشوبه شائبة والصراحة التي لا تخالطها مجاملة، بل وكل شيءٍ يستبعد إلا الالتباس والرياء والمداهنة.
إن مسعانا رغم كل ما قيل وكتب لا يتسم بولاء مطلق روحا ونصا بمعاهدة »إيفران« واتفاقيات سنة 1972 ، وفي الوقت ذاته لمبدإ تقرير الشعب الصحراوي لمصيره، ذلك المبدأ الذي ما برحت الجزائر بالتشاور مع المغرب وموريتانيا، تدافع عنه سواء على صعيد الهيئات الإقليمية أم في المحافل الدولية، وهذه السياسة المتصلة بعبقرية شعبنا وتاريخه لا يمكن أن نتنكر لها مهما كان الثمن.
وحيث إن الأمر يتعلق بالتزامات رئيس دولة تجاه شعبه وبلده، فإن جلالتكم على علم بأن أحداثا ذات خطورة قصوى قد سبق أن شهدت بهدوئنا وتسامحنا في كل الظروف، وبعزيمتنا على ألا نألوا جهدا في سبيل تفادي ما لا تحمد عقباه، وتجنيب شعبينا وتاريخنا وأسرتنا الروحية ويلات فتنة مشحونة ـ لا محالة ـ بمخاطر وخيمة العواقب، ولقد حان الوقت لنكرر القول على مرأى ومسمع من العالم أنه ليس ثمة أي نزاع قائم بين الجزائر والمغرب، ومن واجب شعبينا ومن واجب العالم أن يعلموا ذلك.
سياسة المصالح والمبادئ
صحيح أنه ليس من السهل الميسور دائماً الاختيار بين سياسة قائمة على المصالح وسياسة قائمة على المبادئ، ولقد اختارت الجزائر من جهتها، وغالباً ما كان الشعب الجزائري لولاها أن يكون على ما هو عليه، وما يجب أن يكون عليه، لقد كان التزامنا إزاء تصفية الاستعمار التزاما واحداً في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ولا ننوي تغييره أبداً.
والذي وقع هو أنكم تتكلمون اليوم عن حوادث وقعت داخل حدودكم المرسومة سنة 1972 والتي اعترفنا بها، واعترفت بها أفريقيا والمجموعة الدولية، وإني لأؤكد لجلالتكم وأنا على بصيرة من الأمر باسم الروابط التي لا تنفصم عراها والتي ستقوم دائما بين شعبينا أنه لم يتخطَ أي جندي جزائري أبدا حدودكم الوطنية وبالذات تلك الحدود التي رسمناها معاً سنة 1972.
وقد سبق لي قبل بضعة أشهر فقط أن صرحت رسميا وعلانية أمام مجلس الشعب الوطني أن القوات الجزائرية لن تتدخل بأي حال من الأحوال إلى ما وراء حدودنا، وأنها وهي الحارسة اليقظة لسيادتنا الوطنية ولوحدة ترابنا ستحرص على صد كل هجوم يشن على بلدنا ومايزال خط سيرنا هذا دون تغيير.
ويبقى بطبيعة الحال نزاع الصحراء الغربية وامتدادات كفاح الشعب الصحراوي الذي ما برحنا نحن وغالبية المجموعة الدولية نؤمن بشرعيته، والذي ليست المساندة له سرا غامضا ولا سرا من أسرار الدولة، فثمة مشكلة سياسية لا يمكن أن تحل في نظرنا إلا بالطرق السياسية.
وإذا كنتم تدينون مثلنا إلحاق الأراضي بالقوة، وترفضون سياسة الأمر الواقع وتؤمنون بحق الشعوب كبيرها وصغيرها في الوجود، فلا يمكن إلا أن نكون في صفٍ واحد للسير بمنطلقنا ـ إذا ما كنت تلك إرادة الآخرين ـ وإرادة شعبينا الشقيقين على الأقل، في الطريق الوحيد الجدير بهما، طريق الوحدة ضمن احترام الاختلافات والمؤسسات والاختيارات، ومن المؤكد أن مهمة كهذه ليست مهمة ميسورة لكن هل هي فوق المجهود الصادق والمتضافر الذي يبذله رجال هم على رأس الجيل الذي صنع الاستقلال الوطني سواء في الجزائر أم في المغرب؟
أما أنا فبودي ألا أكف عن الإيمان بحكمتكم وأؤكد لكم مرة أخرى أمام الله وأمام التاريخ صدق إيماني الراسخ في بناء مغرب سيتم حتما عن طريق الحوار واحتكاك الافكار، لا عن طريق الاتهامات وقرع السلاح.
وأرجو من جلالتكم قبول فائق الاحترام والتقدير.
أخوكم: هواري بومدين«
الأمر لا ينتهي هنا، وسنتابع تفصيلات العلاقات الجزائرية المغربية من خلال رؤية الملك الحسن الثاني في الحلقة المقبلة.
في الحلقة المقبلة:
ذاكرة »الحسن الثاني« وشهادة »طلاس«... وذكريات كاتب
* أخبار الاغتيال بالسم بين دمشق والقاهرة والجزائر
* دور »عبدالله ركيبي« في البحث عن الحقيقة
* استنفار في بغداد وترحيب في الكويت