فقه الصيام وكيفية نوافل رمضان

اتفق الفقهاء على استحباب قيام رمضان لقول رسول الله  (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) البخاري بشرح فتح الباري 4/217
واختلفوا في عدد الركعات على عدة أقوال وهي كالآتي:
القول الأول: عشرون ركعة.
قال النووي: (هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه واحمد وداود وغيرهم ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء) المجموع 4/32
وقال إبن قدامة: (والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله فيها عشرون ركعة وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي) المغني 1/797
وقال الترمذي: (وأكثر أهل العلم على ما روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي  عشرين ركعة وهو قول سفيان الثوري وإبن المبارك والشافعي) سنن الترمذي 2/150
وقال العيني: (أما القائلون به من التابعين فشتير بن شكل وإبن أبي مليكة والحارث الهمداني وعطاء بن أبي رباح وأبو البحتري وسعيد بن أبي الحسن البصري أخو الحسن وعبد الرحمن إبن أبي بكر وعمران العبدي وقال إبن عبد البر وهو قول جمهور العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء وهو الصحيح عن أُبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة) عمدة القارئ 11/127
والحجة لهم ما يأتي :
1.ما رواه عبد حميد والطبراني من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن المقسم عن إبن عباس: أن رسول الله  كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر انفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي وهو ضعيف) السنن الكبرى للبيهقي 2/497
2.(وعن أبي الحسناء أنَّ علي بن أبي طالب أمر رجلاً أن يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة، وفي هذا الإسناد ضعف) السنن الكبرى للبيهقي 2/497
3.(وعن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أنه أمر الذي يصلي بالناس صلاة القيام أن يصلي بهم عشرين ركعة ) مسند زيد 158
4.(وعن شتير بن شكل وكان من أصحاب علي  أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث) السنن الكبرى للبيهقي 2/496
5.(وعن السائب بن يزيد قال كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب  في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال وكانوا يقرأون بالمئين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام)(4). قال النووي في الخلاصة: إسناده صحيح، وقال المحقق النيموي الهندي في آثار السنن: رجال هذا الإسناد كلهم ثقات . نصب الراية 1/ 154
6.(وعن الأعمش عن زيد بن وهب قال كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل قال الأعمش: كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث) عمدة القارئ 11/127
7.(وعن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة) السنن الكبرى للبيهقي 2/497
. ويزيد بن رومان لم يدرك عمر. نصب الراية 1/ 154
8.(وعن أبي الخصيب قال: (يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة) السنن الكبرى للبيهقي 2/497
9.(وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي  قال دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلاً يصلي
بالناس عشرين ركعة قال وكان علي  يوتر بهم وروي ذلك من وجه آخر عن علي) السنن الكبرى للبيهقي 2/497
القول الثاني: تسع وثلاثون ركعة مع الوتر.
وبه قال مالك رحمه الله ولفظه: (قال مالك بعث إليَ الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي يقومه الناس بالمدينة قال إبن القاسم وهي تسع وثلاثون ركعة بالوتر ست وثلاثون ركعة والوتر ثلاث. قل مالك فنهيته أن ينقص من ذلك شيء قلت له هذا ما أدركت الناس عليه وهو الأمر القديم الذي لم يزل الناس عليه) المدونة 1/ 222
(واحتج بأن أهل المدينة يفعلونها هكذا، وعن نافع قال أدركت الناس وهم يقومون رمضان بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث) المجموع 4/32
قال النووي: (وسببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافاً ويصلون ركعتين ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا ست عشر ركعة واوتروا بثلاث فصار المجموع تسعاً وثلاثين) المجموع 4/32
(وإن عمر بن عبد الغزيز أمر القرآء يقومون بذلك ويقرؤن في ركعة عشر آيات) المدونة 1/ 222
القول الثالث: إحدى وأربعون ركعة.
قال الترمذي: (وهو قول أهل المدينة والعمل على هذا عندهم بالمدينة) تحفة الأحوذي 3/607
قال المباركفوري: (ولم أرَ فيه حديثاً مرفوعاً، لا صحيحاً ولا ضعيفاً وروي فيه آثار: فأخرج محمد بن نصر في قيام الليل عن محمد بن سيرين: أن معاذ أبا حليمة القارئ كان يصلي بالناس في رمضان إحدى وأربعين ركعة.
وعن أبي ذئب، عن صالح مولى النؤمة قال: أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين يوترون منها بخمس) تحفة الأحوذي 3/607
القول الرابع: إحدى عشرة ركعة.
قال العيني: (وهو اختيار مالك لنفسه، وأختاره أبو بكر بن العربي) عمدة القارئ 11/127
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: (قال الجوزي من أصحابنا عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس
عمر بن الخطاب أحب إليَ: وهو إحدى عشر ركعة: وهي صلاة رسول الله  قيل: له إحدى عشرة ركعة بالوتر؟ قال: نعم وثلاثة عشرة قريب قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير) الحاوي 1/ 350
وقال المباركفوري : (قلت القول الراجح المختار الأقوى من حيث الدليل هو هذا القول الأخير عن رسول الله  بالسند الصحيح بها أمر عمر بن الخطاب  ) تحفة الاحوذي 3/607
وقال أيضاً: (فأما ما قلناه من إن إحدى عشرة ركعة هي الثابتة عن رسول الله  فلما روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله  في رمضان؟ فقالت ما كان يزيد في رمضان، ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً… الحديث، فهذا الحديث الصحيح نص صريح في أن رسول الله  ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) تحفة الأحوذي 3/607 ، وانظر الحديث في عمدة القارئ 11/128
(وعن السائب بن يزيد قال: (كنا نصلي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح كان القارئ يقرأ في كل ركعة بخمسين آية وستين آية) قال إبن إسحاق ما سمعت في ذلك إن صلاة رسول الله  كانت من الليل ثلاث عشرة ركعة) عمدة القارئ 11/126-127
وقال العيني: (قال شيخنا – يعني الحافظ العراقي – لعل هذا كان من فعل عمر أولا ثم نقلهم إلى ثلاث وعشرين) عمدة القارئ 11/126-127
قال المباركفوري: (ويدل على هذا القول الأخير الذي اختاره مالك لنفسه؛ أعني إحدى عشرة ركعة حديث جابر  قال صلى بنا رسول الله  في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج، فلم نزل فيه حتى أصبحنا، ثم دخلنا فقلنا: يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد، ورجونا أن تصلي بنا. فقال: (إني خشيت أن يكتب عليكم، رواه الطبراني في
الصغير ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل، وإبن خزيمة وإبن حيان في صحيحهما. قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال بعد ذكر هذا الحديث: إسناده وسط) تحفة الأحوذي 3/610
(وقال النيموي في آثار السنن بعد ذكر حديث جابر المذكور: في إسناده لين، وقال في تعليقه: مداره على عيسى إبن جارية، ثم ذكر جرح إبن معين والنسائي وأبي داود، وتوثيق أبي زرعة وإبن حيان ثم قال: قول الذهبي: إسناده وسط ليس بصواب، بل إسناده دون وسط) تحفة الأحوذي 3/610
(ويدل على هذا القول الأخير الذي اختاره مالك؛ أعني: إحدى عشرة ركعة ما رواه أبو يعلى عن حديث جابر بن عبد الله، أنه كان مني الليلة شيء، يعني: في رمضان، قال: وما ذاك يا أبي؟ قال: نسوة في داري، قلن إنا لا نقرأ القرآن، فنصلي بصلاتك، فقال: فصليت بهن ثمان ركعات، وأوترت، فكانت سنة الرضا، ولم يقل شيئاً. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إسناده حسن) تحفة الأحوذي 3/610
القول الخامس: (أربع وثلاثون على ما حكي عن زرارة بن أوفى؛ أنه كذلك كان يصلي بهم في العشر الأخيرة) تحفة الأحوذي 3/610
القول السادس: (وقيل ثمان وعشرون وهو المروي عن زرارة بن أوفى في العشرين الأوليين من الشهر، وكان سعيد بن جبير يفعله في العشر الأخير) تحفة الأحوذي 3/610
القول السابع: (وقيل أربعة وعشرون؛ وهو مروي عن سعيد بن جبير) تحفة الأحوذي 3/610
ولا يعرف لهم دليل.
القول الثامن: (وفي كتاب قيام الليل لإبن نصر المروزي: قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد بن حنبل كم من ركعة يصلي في قيام شهر رمضان؟ فقال: قد قيل فيه: ألوان نحو من أربعين، إنما هو تطوع) تحفة الأحوذي 3/610
وهذا ما أميل إليه إنما هو تطوع فمن صلى عشرين أو أربعين أو ثمانية فقد أصاب قيام رمضان .
القول التاسع : ألف ركعة زائدة على باقي الشهور.
وبه قال الإمامية . قال المرتضى: (يصلي كل ليلة منه عشرين ركعة منها ثمان بعد المغرب واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة، فإذا كان في ليلة تسع عشرة صلى مائة ركعة، ويعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي تقدم، ويصلي في ليلة إحدى وعشريين مائة وفي ليلة اثنتين وعشرين ثلاثين ركعة،

منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد صلاة العشاء الآخرة، ويصلي في ليلة ثلاثة وعشرين مائة، وفيما بقي من الشهر في كل ليلة ثلاثين ركعة على الترتيب الذي ذكرناه.
ويصلي في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات، وأربع منها صلاة أمير المؤمنين  وصفتها أن يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وسورة الإخلاص خمسين مرة، وركعتين من صلاة فاطمة عليهما السلام وصفتها أن يقرأ في أول ركعة الحمد مرة وسورة الإخلاص مائة مرة. ثم يصلي أربع ركعات صلاة التسبيح، آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة فاطمة عليهما السلام وقد مضى وصفهما فيكمل له بذلك ألف ركعة) الانتصار 167
قال المرتضى: (وحجتنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، ولأن الذي اعتبرناه زيادة على عددهم والزيادة تقتضي الخير والاحتياط فيه أيضاً) الانتصار 167
أقول: قوله إجماع الطائفة منتقض بخلاف الصدوق حيث قال: (أنه كسائر الشهور، وليس فيه شيء موظف) تحرير الأحكام ط.ج / آية الله العظمى الحسن بن يوسف بن علي المطهر ت736 هـ /ج1 ص293 / مؤسسة آل البيت.
وحجته في ذلك ما رواه إبن مسكان عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله  عن الصلاة في شهر رمضان فقال: ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الصبح وقبل الفجر كذلك كان رسول الله  يصلي وأنا كذلك أصلي ولو كان خيراً لم يتركه رسول الله  . من لا يحضره الفقيه 2/88
وكذلك إن الرواية التي استدل بها القائلون بصلاة ألف ركعة ضعيفة السند . وفي ذلك يقول الصدوق: (وممن روى الزيادة في التطوع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان قال: سألته عن شهر رمضان كم يصلى فيه؟ قال: كما تصلي في غيره إلا إن لشهر رمضان على سائر الشهور من الفضل ما ينبغي للعبد أن يزيد في تطوعه فإن أحب وقوي على ذلك أن يزيد في أول الشهر إلى عشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة سوى ما كان يصلي قبل ذلك ..) من لا يحضره الفقيه 2/88
ويميل الصدوق إلى ثلاث عشرة ركعة مع الوتر كباقي الليالي يتفق مع القائلين من الجمهور بذلك.
والله اعلم . ……..

ردودك دئما مشجعة